الوصية كتاب جامع لكل خير زاهد في كل شر من تأليف الشيخ / عبد المحمود ( الحفيان ) بن الشيخ الجيلي بن الشيخ عبد المحمود مؤسس مدينة طابت وقد ألف هذا الكتاب قبل أكثر من ثلاثة عقود وأنيف وهو مجموعة من الوصايا التي تنير طريق أبناءه ومريديه والمسلمين عامة وننقل لكم العشر وصايا الأولى منها ونأتيكم بالباقي تباعاً حيث أنها أزيد من مئة وصية فإليكم العشر الأوائل منها :
بسم الله الرحمن الرحيم
1 -(( فلتعلموا بدءاً _بَنِىَّ _ أنَّ الحياة فلكٌ دوارٌ . يتعاقب عليه ليلٌ ونهارٌ. ولكن كثيراً من السالكين طريــقَ الحق لايرون نهارَ هذه الحياة ، بل يرددون دائما ً أنَّ الحياة ظلمةٌ والعيش عذاب ، لالشىء إلا لأنّّهم يضعون على أعينهم عدساتِ المشقةِ والبؤس ، التى غُشِيَتْ بألوانِ الألم ِالقاتم والفَقْدِ المُعْتِـم الكَئيبِ لمشاعل النُّور وكواكب الهُدى . ولكن. مَنْ قال لهؤلاء الناس أَنّ دوران الفلك قد توقَّف ومن أنبأَهُم أنَّ الأيام قد عَقُمَتْ !؟ وهل علموا يوماً أن الخلودَ نصيبٌ لقفص الطِّين الذى تَهُدُّ أركانَه ريـاحُ السُّقْم وتَسِّيرُه موجاتُ الحياة إلىمداخل الموتِِ وفْقَ إشارة القدر الذى يعمل بحسب قضاء الله النابع من حُكْمِهِ على عباده ؟ وهل تجدَنَّ الدّهرَ رادَّاً لقضاء الله أو معقباً على حكمه ؟ )) .
2 -(( ولا أَظُنىّ أعدو الحقَّ _بَنىّ_ إنْ قلتُ . إنّ الحياة مضيئة بنور الله . لأنها تمثِّل عظمة االله ومجده لذوى العقولِ التي تستشرف الوقوفَ على عظمة الله وبالِغِ حكمته ولطفه وخبرته . ولكنَّ ذاتَ الحياةِِ قد تعودُ مظلمةً خامدة مُعْتِمةَ الآفاق ، إذا فقد الإنسانُ الحركة للإستفادةِِ والإستعانةِ بهذا النور الإلهى للكشف عن أسرار الحياةِ وصولاً إلى الإيمان والمعرفة الحقةِ بالحقّ . التى بها قِوَامُ الحياة وشرف الممات ، كما أن الحركة نفسها قد تتوّلَّد شوهاءَ عَشْواء لابركةَ فيها ولانماء إنْ لم يصاحبها الإخلاصُ الراضى ، والمعرفة الُمحْسنةُ بقضاء الله وخَفِىِّ حكمتِهِ )).
3-(( وحاذِروا - أبنائي .. من معرفةٍ سقيمة وعلم عقيمٍ لا ينتج عملا ً، ولا يخلِق قوةً دافعة للخير والحق والسلام في الإنسان . وكل عملٍ أيّها السالكُ باطلٌ وهَشِيمٌ ، تذروه الرياحُ ، وتبتلعه طُـوي النِّسيان ، دون أنْ يخلِّف ذِكرا . إنْ لم تُصَاقِبُه المحبةُ لخلق الله ، ويواكبه شعورٌ طاغ بحبِّ الله ورسوله، والذي يجب أن يعكس شعورَك بالحُبِّ ويترجمه في الوقت الزماني . عطفاً على الآخرين وعوناً لهم ، في حُبّ يربطهم ببعضهم البعض وفي سماحة تُنْسى المنَّ والأذى وفي خلق رفيع يرتفع بهم ليربط كل واحدٍ بربه الذي أنعم عليه بنعمةِ حُبِّه وحُبِّ عباده الصالحين )) .
4-(( وحدِّقوا – أحباَّئي - في أعماق قلوبكم بإحساس صادق ، وبصيرة وقادة ، تجدوا الفرح فيما تظنّونَه حزنا !! وهل يحزن من له أدنى بصر بالله عند لقائه ؟ . وهل يتأسف على الفراق من له البشري في الحياة الدنيا وفي الآخرة ؟ إني أعلم – أخلائي أن البحر مائر عنيد . وأن في البّر لقَسْوَرة عنيد . فاجعلوا من عقولكم المنوَّرة بنور الله دفةً لسفائن نفوسكم تقْوَ على شقِّ عباب هذا البحر المضطرب بالعواطف في صدر أيٍ منكم . وأجعلوا من ذات العقول ، قيوداً تمنع القسورة العنيد من الحراك نحو الشرِّ في فمِ أيٍ منكم )).
5-(( وحاذِروا _ أحبَّائي _ توقُّد العواطف وتأجُج نيرانها مع غيبة العقل . لأنَّ العاطفة المتَّقِدة إنْ لم يقيّدها العقل العارف العالم ، كانت لهيباً حارقاً ، وداءً عضالا ًيتمشَّى في بِنْيِة النفس السليمة فيوردُها موارد العطَب . فليعمل كلٌ منكم جاهداً للمحافظة على دفَّة سفينة نفسه . المتمثلة في عقله ، الذي يجب أنْ يقف قويّاً صُلباً ، لاتحرِّكه المآسي العاصفةُ ، ولاتستَفِزُّه إشاراتُ عصا القدر بنهاية العزف في مقطوعة الحياة . لأنّ النغم الخالد لايموت ، والروح المتطلعَ إلى الكمال لايفنى والعقل الذي وجد بَردَ الراحة في كنَفِ الله لايضطرب . كما أن القلب الذي تفتّحت أكمامه بأنوار الحقيقة ونسمات الرِّضا وروح الحب لايمكن أنْ يجد ظلامُ اليأس الى شِعابه سبيلا )).
6- فاجعلوا-بنّى- من عقولكم روَّاداً لمشاعركم ، وقوَّاداً على عواطفكم . لتعيشوا معى الحياة وما بعدها أقوياءَ تُعطون ما يعترضُكم من العقابيل اليوميَّة حقَّها من التأمُّل والتَّفكر والروية ، ليبدو لكم أنَّ آلامكم أقل غرابة وألصق جنباً من أفراحكم ! ولئن كان ربيعُ القلوب يشيع الفرح فى النفوس فإنَّ شتاء القلوب يرعد هذه النفوس بألم الصَّقِيع والقِرِّ الذي لايجد الإنسان مفرّاً من تقبُّله مادام شيئ لابدّ منه ليسير النسق الحياتي ، كما قدر له ان يسير في الوجود الزماني . فلا غرابة في فصول أيامكم كما أنَّه لاعجب في فصول قلوبكم)).
7-(( فارتفعوا-أبنائى- إلى مصاف قضاء الحكيم فيما خلق . وكونوا ممسوسين فى ذات الله وليس فى أدنى من ذلك . لأنّ الطريق دارجٌ .والسبيل ممهودٌ إلاّ من عقبة كئود ، هى النفس التى إنْ لم تشغلوها بالحقِّ ، شغلتكم بالباطل)).
8-(( فلا تجعلوا –بنّى- من البَيْن أينَ ؟ لأنَّ فى الأيْنَ بعد البين قصورٌ . فاحرصوا ألاتُذْكر محاسنى بمثالبكم بل اجعلوا من الطريق وصلاً ، ومن الإحسان ديدناً ومن الوجه الطلْق زاداً يسعُ كل الناس ،وذكرونى بكم،ولاتجعلوا ذكركم بى . ولْيَذْكُرنى –أحبابى بكم، وفيكم. فإنِّى والَّذى نفسى بيده لم آلوكم جهداً فى التوجيه والإرشاد ، وقد تركتكم على المحجَّة البيضاءِ والسنَّة الغرَّاء. فلا تجعلوا من الدنيا أكبر همِّكم فإنَّها لاتعدل عند الله جناح بعوضة وهل فى جناح بعوضة غَنَاءُ ؟! )).
9-(( فانفقوا- بنىّ – ينفق الله عليكم واخشَوه واتقوه يرزقكم من حيث لاتحتسبوا . ولاتُوكُوا فيُوكَى عليكم . ولاتخزنوا فيخْزَن عنكم الخير . فإن من رحم ، لاشك مرحوم ولو فى عُقْرِ داره . ومن يُقْرِضُ الله قرضاً حسناً يضاعفه له ، فاحسنوا القرضَ لله يحسن الوفاء لكم ))
10-(( واحسنوا السفر-بنىّ- باتخاذ الزاد . فإنِّى رأيت السفر إلى الله أبعد ما تريدون . فخذوا له مايصلحكم –بنىّ- إذ أنّ صيام يوم حـار مرمـض يقى من الزلل فى يوم أشدُ حراً منه وأطول نشوراً . ولحجةٌ مبرورةٌ إلى بيت الله الحـرام ، لتقف عَدْلاً لكل ما اجترحتَ من سيئات حتى تعود كيوم وَلَدتْك أمُّك ما اجتنبتَ المظالم َ. وإنَّ ركعتين فى جوف الليل الغابر حين تغور النجوم وتشتدُّ الظلمة ويسكتُ الحسُّ ، لتنيران القبر بنور يملأبين السماء والأرض . وللكلمة الحسنة تلفظونها عدل لايوازى من حسنات أنتم أحوجُ ماتكونون اليها ، وللهُجرِ من القول تسكتون عنه حلماً أثرٌ كبير فى رضى الحقِّ عنكم يوم الوقف العظيم )).